فى العدد الأخير من جريدة الشعب أتحفنا الدكتور محمد عباس بمقال يُعد واحدًا من أخطر مقالاته على الاطلاق .. المقال ينقلنا من نقد مبارك الشفهى إلى اتهامه الموثق بالعديد من الجرائم التى ارتكبها هو ونظامه فى حق الشعب المصرى ، وإننى أدعو كل شرفاء مصر للعمل معًا على تحويل هذا المقال الحُجة إلى صحيفة إتهام تقدم إلى النائب العام كبلاغ من الشعب المصرى ضد الرئيس مبارك .
إن الوقائع التى احتواها المقال خطيرة ، وخطيرة جدا ، والأدلة فيها دامغة ، وتعمد الإهانة والإضرار واضح ، وأرجو من كل القراء إعادة قراءة هذا المقال الذى لا يمكن اختصاره من أجل الوقوف على حقيقة هذا الحاكم المجرم الذى يلبس لباس التقى والأصل شيطان .
المقال يحتوى على عدة اتهامات محددة أوضحها العقيد محمد الغنام أمام مؤتمر حقوق الإنسان المنعقد فى لندن ـ طالبًا محاكمة مبارك جنائيًا أمام القضاء البلجيكى لإرتكابه جرائم خطيرة فى حق الشعب المصرى .
وإننى أمام خطورة الإتهامات التى ساقها العقيد محمد الغنام والتى نقلها الدكتور المجاهد محمد عباس أجد نفسى مضطرًا لإعادة جزء يسير من هذا المقال ليعلم الجميع قدر الجرائم التى ارتكبها مبارك عن عمد فى حق الشعب المصرى ، وبداية فإن العقيد محمد الغنام لا يمكن التشكيك فى شهادته لأنه رجلا عاش محسوبًا على النظام الأمنى المصرى لفترة طويلة وكان يشغل منصب مدير البحوث القانونية بوزارة الداخلية المصرية ، وهو على حد وصف الدكتور محمد عباس "أحد الخبرات النادرة" فى مجال الأمن المصرى .... يقول العقيد محمد الغنام أمام مؤتمر حقوق الإنسان المنعقد فى لندن :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السادة الحضور: تمر شعوبنا العربية ـ سواء في المغرب أو المشرق ـ بمحنة قاسية بعد أن تسلط على معظم بلداننا حكام غلاظ لا يقيمون للإنسان وزناً ولا يعترفون بأي حق ولو أبسط حقوق الإنسان.
وفي مصر بالذات بلغت الأمور مبلغاً خطيراً بعد عشرين عاماً من حكم "مبارك" التعيس أصبح خلالها القمع والقتل والتعذيب سياسة الحكم ومنهاج الحاكم ونهب المال العام شغله الشاغل، ووجدنا عتاة الفاسدين وغلاة المنحرفين وقد اعتلوا مناصب الدولة الرفيعة فعاثوا في الأرض فساداً حتى آلت أحوال بلادنا إلى ما تعرفونه جميعاً!
الجمع الجليل: - كلمتي إلى جمعكم هذا لن تكون إنشائية أو بلاغية ولكنها سوف تنصب على حالات واقعية مصرية تؤكد من خلال الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة ما نقول به من أن الاستبداد والفساد هما جناحا سياسة الدكتاتور/ مبارك، وتكشف كذب ادعاءاته من أن ما نشهده من عمليات قتل وتعذيب لأبناء شعب مصر على أيدي بعض رجال الشرطة إنما هو من عند أنفسهم ولا يعدو أن يكون انحرافاً أو أخطاءً شخصية منهم، فالغالبية العظمى من إخوانكم من ضباط ورجال الشرطة ـ الذين شرفت بالعمل بينهم لأكثر من عشرين عاماً ـ يتقون الله حق تقاته ويدركون حرمة النفس البشرية التي كرمها الخالق، وهم من ادعاءات مبارك الزائفة براء.
أما ما نشهده من عمليات قتل وتعذيب يرتكبها بعض رجال الشرطة فهي نتيجة الضغوط القوية والمكثفة التي يمارسها " مبارك" على رجال الشرطة لدفعهم دفعاَ في هذا الاتجاه بقصد إرهاب وتركيع شعب مصر، وفي مواجهة ضغوط مبارك تلك يصمد من يصمد من الضباط الأقوياء الذين يرفضون معصية الخالق وانتهاك أحكام القانون ابتغاء مرضاة الحاكم الفاسد، بينما لا يقوى على الصمود الأقل قوة ومن في نفوسهم مرض فيسقطون في فخ مبارك فيقتلون ويعذبون بني جلدتهم طمعاً في منصب أو بحثاً عن مكافأة مالية.
ويسعى الدكتاتور "مبارك" إلى السيطرة على جهاز الشرطة ودفعه لتنفيذ سياسته الشيطانية القائمة على قمع وإرهاب الشعب ضماناً لاستمراره في الحكم وبقائه في السلطة رغم أنف الجميع من خلال وسائل عديدة ، نذكر منها في هذا المقام وسيلتين: أولاهما، تتمثل في إسناد المناصب القيادية الحساسة في جهاز الشرطة للعناصر المنحرفة التي لا تتورع عن قتل أو نهب، بما يضمن له السيطرة من خلال تلك العناصر على الجهاز بأسره وتوجيهه الوجهة التي تحقق أهدافه الخبيثة، والوسيلة الثانية، تتمثل في حماية من يسقطون في حبائله فيقدمون على قتل وتعذيب إخوانهم ، وإليكم بعض الحالات الواقعية المدعمة بالأدلة القاطعة لبيان استخدام مبارك وإعماله لهاتين الوسيلتين:الوسيلة الأولى: السيطرة على جهاز الشرطة من خلال تشجيع الفساد وإسناد المناصب القيادية للعناصر المنحرفة:
1 – جرت ـ منذ عدة سنوات ـ محاكمة اللواء/ طلعت كامل نصار وإدانته في جريمتي اختلاس وتزوير، وبعدها بسنوات قليلة ـ وتحديداً في عام 1991 ـ تمت مجازاته إدارياً لاستيلائه على أموال مخصصة لجنود الشرطة، وكان الطبيعي أن يتم استبعاد مثل هذا الضابط فوراً، ولكن ما حدث في ظل حكم مبارك كان مختلفاً كل الاختلاف إذ قام المدعو / حسن الألفي (وزير الداخلية السابق) بمد خدمة هذا الضابط في رتبة اللواء بينما أحال زملاءهُ الشرفاء للتقاعد، مما حدا بهم إلى إقامة دعوى قضائية ضد وزير الداخلية أمام محكمة القضاء الإداري التي أدانت الوزير واصفة مسلكه هذا بأنه ينطوي على سوء تقدير وإساءة استعمال السلطة الماريد دينىة له (حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 2117 لسنة 52 ق ـ الدائرة التاسعة ـ في 27 ديسمبر 1999)، ولان من البديهي بعد هذا الحكم أن يتم محاسبة وزير الداخلية واستبعاد هذا الضابط، ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً إذ قام المدعو " حبيب إبراهيم حبيب العادلي" وزير الداخلية الحالي في 1 أغسطس 2000 بمد خدمة اللواء المذكور لمدة عام آخر ضارباً عرض الحائط بأحكام القضاء (قرار وزير الداخلية رقم 809 لسنة 2000) .
ثم كانت الطامة الكبرى في 25 يناير 2001 حيث قام الدكتاتور/ مبارك في إطار احتفالات أعياد الشرطة بمنح هذا الضابط نوط الامتياز من الطبقة الأولى ( الخبر منشور في جريدة الأهرام الصادرة بتاريخ 26 يناير 2001 صفحة 15) ، فهل هذا معقول؟! وهل يمكن أن يصل تشجيع الفساد وحمايته إلى هذا الحد؟! وهل يمكن أن يحدث هذا من أي حاكم تتوافر فيه أدنى متطلبات "الأمانة" التي هي شرط لازم من شروط صلاحية الحاكم؟!
2 – تكرر نفس الأمر بالنسبة للواء/ محمد محمود شحاته الذي تمت محاكمته وإدانته بعد أن تم ضبطه وهو يقوم بتهريب بضائع من جمرك بورسعيد مستخدماً سيارة مسروقة قام بتغيير لوحاتها المعدنية، ومع ذلك لم يتم إنهاء خدمته وإنما على العكس قام نفس الوزير (المدعو/ حبيب إبراهيم العادلي) بمد خدمته في رتبة اللواء وإحالة زملائه الشرفاء للتقاعد، مما حدا بهم إلى إقامة دعوى قضائية ضده ، وقد أدانت محكمة القضاء الإداري مسلك "حبيب إبراهيم العادلي" واصفة إياه بأنه ينطوي على سوء تقدير وانحراف فاحش بالسلطة (حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 428 لسنة 53 ق ـ الدائرة التاسعة).
3 – امتدت خطة النظام الحاكم المصري لإحكام سيطرة قيادات منحرفة على جهاز الشرطة إلى أكاديمية الشرطة في محاولة خبيثة لبث بذور الانحراف بين طلبة كلية الشرطة، فتم تعيين اللواء/ عمر حسن عدس مديراً للأكاديمية رغم ما عرف عنه من سرقة بحث علمي وتقاضي رشاوى والحصول على وحدات سكنية من صغار الضباط لنقلهم وقضاء مصالحهم وقد نشرت جريدة "الشعب" جانباً من وقائع انحرافه، وحتى بعد أن أدانته الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة إذ قررت عدم قانونية عقد المقاولة الذي باشر إجراءاته ووقعه المذكور نيابة عن وزارة الداخلية مع إحدى شركات المقاولات بقيمة ثلاثمائة وخمسين مليون جنيه مصري لبناء أكاديمية الشرطة الجديدة (التي أسماها مبارك باسمه!!) (راجع فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ملف رقم 54/ 1 / 344 لسنة 1998)، أقول حتى بعد أن قررت الجمعية العمومية أن اختيار تلك الشركة تم "بمنأى عن كل قواعد القانون وبخروج سافر عليها" وبالمخالفة للقواعد المقررة لحماية المال العام مما يكشف عن وجود تلاعب، فانه لم يتم استبعاد هذا الضابط بل تم الإبقاء عليه في نفس وظيفته لينفث سمومه بين طلبة الكلية، ولم يغير من ذلك ما قام به من تلاعب في الأراضي المخصصة لضباط الأكاديمية والتي قام بتوزيع مساحات واسعة منها ـ بغير حق ـ على معارفه وعلى كبار المسئولين بالدولة ، والأدهى والأعجب من ذلك انه حتى بعد أن بلغ سن التقاعد قام فتحي سرور رئيس مجلس الشعب بتعيينه مستشاراً له!!
وهناك العديد والعديد من الحالات المماثلة، كذلك فإن هناك وبالمقابل العديد من حالات أخرى لضباط شرفاء رفضوا المشاركة في الفساد ونهب المال العام فكان جزاؤهم النقل والتنكيل وإنهاء الخدمة، ولكن سأكتفي - حرصاً على وقتكم الثمين ـ بهذه الحالات الثلاث المدعمة بالأحكام القضائية التي هي عنوان الحقيقة وبفتاوى الجمعية العمومية لقسم الفتوى والتشريع وهي أعلى جهة إفتاء قضائية في مصر.
وغنيٌ عن البيان أن إسناد الوظائف القيادية لأمثال هؤلاء الضباط ممن في نفوسهم مرض وممن لا يتورعون عن فعل أي شيء في سبيل تحقيق مصالحهم يمكن مبارك من تنفيذ سياسته القمعية وإجبار الضباط الآخرين من ذوي الرتب الصغيرة والمتوسطة على التورط في عمليات قتل وتعذيب الأبرياء.الوسيلة الثانية: مبارك يكرم ويحمي من يسقطون في حبائله من الضباط فيقدمون على قتل وتعذيب أبناء الشعب:-
بالنسبة للقلة القليلة من رجال الشرطة ممن أقدموا على قتل وتعذيب أبناء الشعب خضوعاً للضغوط التي مارسها " مبارك" والقيادات المنحرفة التي مكنها من المناصب القيادية في جهاز الشرطة، أقول إن تلك القلة القليلة التي غرر بها مبارك وأعوانه تحظى برعاية وحماية نظام حكم مبارك، إذ لا يقوم النائبُ العام ـ في معظم الحالات ـ بتحريك الدعوى الجنائية ضدهم بل يقوم بحفظ التحقيق أو يكتفي بمطالبة وزير الداخلية بتوقيع جزاء إداري، ولعل مما يثير الضحك ـ وشر البلية ما يضحك ـ أن نعلم أن الجزاء الواقع على بعض رجال الشرطة لقيامهم بتعذيب مواطنين وإحداث إصابات بهم هو الإنذار أو خصم نصف يوم من المرتب، وحتى في الحالات التي يضطر فيها النائب العام إلى إحالة بعض رجال الشرطة من مرتكبي جرائم القتل والتعذيب إلى جهات القضاء نتيجة ضغوط منظمات حقوق الإنسان أو أجهزة الإعلام، فإنه تتم ممارسة ضغوط قوية على القضاة لتبرئة المتهمين أو إصدار أحكام مخففة بحقهم، ويكفينا من مقام التدليل على تدخل الدكتاتور مبارك في أعمال القضاء اعترافه الصريح بذلك في حديثه مع إحدى المجلات الأمريكية أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في مارس 2001، حيث أقر المذكور بأنه أمر النائب العام باستبعاد تهمة التخابر التي كانت موجهة للدكتور/ سعد الدين إبراهيم لأنها "جريمة وحشة وعقوبتها كبيرة"!!! والأدهى والأنكى من كل ما تقدم انه حتى في الحالات الصارمة التي تقوم فيها المحاكم بإصدار أحكام مخففة ضد بعض رجال الشرطة المتهمين بقتل بعض المواطنين وتعذيبهم حتى الموت، فان الدكتاتور مبارك يصدر قرارات عفو لرجال الشرطة بل ويقوم بتكريمهم ومنحهم أنواطاً وأوسمة.
وأذكر في هذا المقام بعض الأمثلة:-
1 – قام كل من الرائد / طارق فؤاد والرائد/ معتصم أحمد والرقيب / عبد الناصر صالح وآخرون ، بتعذيب مواطن كان محبوساً احتياطياً في سجن الفيوم بطريقة وحشية حتى لقي مصرعه من هول التعذيب، وتم تقديمهم للمحاكمة التي عاملتهم بالرأفة فقضت بسجن كل منهم لمدة خمس سنوات رغم أن العقوبة المقررة لجريمتهم هي الأشغال الشاقة المؤبدة، وانقل لكم من حيثيات حكم محكمة جنايات الفيوم نصاً للطريقة التي قتل بها هذا المواطن: " أوثقوه بحبل من القماش وأوسعوه ضرباً بعصاً وسير من الجلد وقاموا بكيه في مواضع مختلفة من جسمه بلفافات تبغ مشتعلة وأسياخ من الحديد المُحَمّى في النار، فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، كذلك فان المتهم الأول أيضاً: هتك عرض المجني عليه بالقوة بأن أولج عصا في دبره على النحو الوارد بالتحقيق".
ورغم هذا التعذيب الوحشي وتلك الميتة البشعة، ورغم هذا الحكم المخفف، فقد أصدر الدكتاتور المدعو "محمد حسني مبارك" القرار الجمهوري رقم 32 لسنة 1994 في فبراير 1994 بالعفو عن الضابطين وضابط الصف، وهكذا لم ينفذوا العقوبة المحكوم بها عليهم وعادوا لممارسة عملهم في وزارة الداخلية وكأن شيئاً لم يكن!!
2 – قام المقدم/ حسن إبراهيم السوهاجي بتعذيب مواطن بطريقة بشعة حتى لقي حتفه بين يديه، وأثناء مثوله أمام المحكمة قام الدكتاتور/ مبارك في 25 يناير 1994 بمنحه نوط الامتياز من الطبقة الثانية تكريماً له لتعذيبه أحد أبناء الشعب حتى الموت ، وذلك في إشارة صريحة للمحكمة بان النظام يحميه وقد فهمت المحكمة الإشارة فاكتفت بمعاقبة الضابط بالحبس لمدة سنة، نفذ منها ستة أشهر فقط قضاها معززاً مكرماً في أكاديمية الشرطة ـ وليس في السجن ـ ثم أُخلي سبيله ليعود لممارسة عمله في مباحث القاهرة (تم منح الضابط نوط الامتياز بقرار رئيس الجمهورية رقم 11 الصادر في 20 يناير 1994).
وسأكتفي ـ مرة أخرى حرصاً على وقتكم الثمين ـ بهاتين الحالتين الفاضحتين الصارختين اللتين يبدو فيهما تدخل الدكتاتور مبارك بصورة شخصية وسافرة لتشجيع عمليات قتل وتعذيب أبناء الشعب الذي يفترض أن هذا الدكتاتور يرعى مصالحه ويحافظ على حقوق أبنائهِ ، وأود أن أسترعي انتباهكم إلى أن هذين القرارين المشار إليهما آنفا قد صدرا خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما (من 20 يناير 94 إلى 5 فبراير ) مما يكشف عن معدل إصدار مثل تلك القرارات وعن معدل قتل أبناء الشعب تحت وطأة التعذيب.
وأجدني أتساءل إذا كان هذا هو مسلك مبارك الشخصي فهل يبقى لدى منصف أدنى قدر من الشك في أن التعذيب والقتل هما السياسة الرسمية المعتمدة من نظام الحكم القائم في مصر وان الدكتاتور مبارك يتدخل شخصياً ومباشرة بتنفيذ تلك السياسة وانه مسئول بصفة شخصية عليها؟! وهل يبقى لدى عاقل أدنى قدر من شك في أن مبارك هو ألد أعداء مصر وشعبها، وان بلادنا قد نكبت بحكمه كل نكبة، وان تخليص شعبنا منه ومن نظامه الفاسد هو واجب على كل مصري بل وعلى كل من ينتمي لبني الإنسان ولو لم يكن مصرياً، إن أبسط قواعد العدالة تأبى أن يفلت "مبارك" بجرائمه التي عرضت عليكم جانباً بسيطاً منها ومن أدلة ثبوتها، داعياً كل المهتمين بحقوق الإنسان والمعنيين بقضايا الديمقراطية إلى التضامن معي في مسعاي لتقديم الدكتاتور مبارك للمحاكمة الجنائية أمام القضاء البلجيكي، وأود أنهي إلى علمكم إني قد بدأت بالفعل بعض الاتصالات مع نفر من كبار المحامين في بلجيكا لبحث مدى إمكانية تقديم مبارك للمحاكمة الجنائية لارتكابه جرائم خطيرة ضد شعب مصر تشكل انتهاكاً سافراً لأبسط قواعد حقوق الإنسان، وأتعشم أن يبادر من يملك منكم أدلة يمكن أن تدين المذكور إلى تقديمها إلى الأخوة بالمرصد الإسلامي خاصة ما يتعلق بحالات الاعتقال والتعذيب.
الجمع الكريم: أن مبارك يعلم علم اليقين أن شعب مصر يرفضه ويلفظ نظامه الفاسد، لذلك فهو يعتمد القمع والإرهاب والحيلة والخديعة أدوات للاستمرار في السلطة والبقاء في الحكم، لهذا فلا عجب أن فرض حالة الطوارئ منذ اليوم الأول لحكمه التعيس وعلى مدار عشرين عاماً حتى يومنا هذا، وليس غريباً أن زج بعشرات الآلاف من أبناء الشعب في السجون والمعتقلات لسنوات طويلة دون ذنب أو جريرة ، وليس بمستغرب أن عمد إلى تزوير الانتخابات والتلاعب في نتائجها حتى بلغ الأمر في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة حد التعدي بالضرب على الناخبين بل وإطلاق النار عليهم ـ في بعض الحالات ـ لمنعهم من داريد دينى اللجان الانتخابية للإدلاء بأصواتهم ، ولا يمكن أن يقلع مبارك عن سياسته القمعية تلك لأن بقاءه في السلطة مرتبط بها لذلك فسوف تبقى انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ما بقي مبارك حاكماً لها، فإزاحة هذا الطاغية عن السلطة هي السبيل الوحيد لإنقاذ شعبنا وضمان أمن أبنائهِ وأود أن أوجه عنايتكم في هذا المقام إلى ما يلي:-
أولاً : إن مبارك يعتمد في حكمه على سياسة "فرق تسد" ،فيسعى إلى إثارة الفرقة بين المسلمين والأقباط والإبقاء على حالة من التوتر والاحتقان في العلاقة بين الطرفين، كما يسعى إلى الإيقاع بين فصائل المعارضة المختلفة وتغذية خلافاتها، مما يوجب على فصائل المعارضة أن تجمع صفوفها وتوحد كلمتها فالقتل والتعذيب ونهب أموال الشعب هو أمر ترفضه جميع الرسالات السماوية وتأباهُ كل الفلسفات والنظم الوضعية، ثم إن ما حاق بمصر من خراب اقتصادي وما لحق أهلها من عوز وفقر في ظل حكم مبارك لم يقتصر على أتباع دين دون آخر أو فريق سياسي دون غيره، وإنما عم الضرر الجميع مسلمين وأقباط يمين ويسار.
ثانياً: أن مبارك يعمد إلى ابتزاز الغرب ودفعه إلى دعم نظامه من خلال إثارة فزع الولايات المتحدة وأوروبا من خطر إسلامي مزعوم، وتسهم بعض فصائل المعارضة المصرية في خدمة أهداف مبارك من خلال بعض دعاوى الغلو والتطرف، مما يستوجب الحرص على التأكيد دائماً على حقيقة أن الإسلام هو دين السلم والأمن، وانه يحرص على التعايش والتعاون مع كل الديانات الأخرى ويكن لها الاحترام.
ثالثاً: يسعى النظام الحاكم المصري إلى استعداء الدول التي تستضيف بعض فصائل المعارضة المصرية في الخارج على تلك الفصائل، في محاولة خبيثة لصرف انتباه المعارضة في الخارج عن قضايا الوطن الحقيقية وجرها لخلافات فرعية مع الدول الديمقراطية التي تستضيفها، مما يتطلب الانتباه لتلك المحاولات الخبيثة.
ختاماً: أتمنى لكل المشاركين في هذا المؤتمر التوفيق والسداد وان يلتئم هذا الجمع الكريم في أقرب فرصة في القاهرة بعد تحريرها.. وإن غداً لناظره قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عقيد . دكتور/ محمد الغنام
مدير إدارة البحوث القانونية بوزارة الداخلية المصرية سابقاً - حالياً : لاجئ سياسي بسويسرا .
وأود فى هذا الصدد أن أقدم الشكر والتقدير للدكتور المجاهد محمد عباس على الجهد المتميز والكتابات الراقية والواعية والتى تعد بمثابة الضربات القاضية التى يكمن فيها القول الفصل فى كل ما يتناوله من أمور وقضايا ... لقد أخلص هذا الرجل إلى الله ، فبارك الله فى عمله وجعل فيه القبول والإخلاص .
كم كتبت عن مبارك ، وكم كتب غيرى ، وكم قلت عنه ، وكم قال غيرى ، وكم كثرت كتابات النقد الموجهة إلى مبارك وإلى نظامه الإجرامى ، ولكن لم يشعر بها أحد لكونها كتابات كانت تفتقد إلى الأدلة وتعتمد على قراءة الأحداث والمواقف .. إلى أن جاء هذا المقال الكاشف الفاضح وأزاح كل ما على الطاولة من اتهامات سابقة لا تستند إلى أدلة ، وأعلن بالوثائق والوقائع المحددة بالتواريخ والأحكام القضائية التى تكشف الكثير عن جرائم مبارك الغير معلنة فى حق الشعب المصرى .
لقد تبادلنا الضرب على صخرة مبارك بكل ما أوتينا من قوة ، لكن الصخرة لم تنفلق إلى أن جاء الدكتور محمد عباس وقال للصخرة إنفلقى بأمر الله فانفلقت الصخرة وتحولت إلى تراب يُداس عليه الآن بالأقدام والنعال ، والله يمن على من يشاء من عباده وهو أعلم بالمتقين .. لقد حرك قلم الدكتور محمد عباس ـ من قبل ـ مصر كلها فى أزمة الوليمة ، وكان حدثـًا فريدًا لم تشهده مصر منذ عقود طويلة أن يحرك كاتب أمة كاملة بكتاباته ومقالاته ويعيدنا إلى عهد العظماء من الكتاب ، ولقد تميز الدكتور محمد عباس فى كل كتاباته بروعة العرض ودقة البيان وفصاحة اللسان وصدق القول والإخلاص فى العمل ، وهذا ليس بقليل فالإخلاص سر من أسرار الخالق يستودعه قلب من يُحب من البشر ، فطوبى لكاتب شرح الله صدره للإسلام وأمده بنور البصر والبصيرة وجعله يكتب ما لا يكتبه الآخرون ، ويستخرج من بطون الأحداث ما لم تلتقطه باقى العيون ، وسيظل الدكتور محمد عباس فخرًا لكل من ينطق العربية ويعشق الأدب الإنسانى ، وسيظل نموذجًا فريدًا فى عالم الكتابة الراقية والنقد السامى البعيد عن المآرب الشخصية ، وكم تمنيت بينى وبين نفسى لو اتجه الدكتور فى بعض كتاباته إلى المنحنى الدينى وأثرى المكتبة الإسلامية بكتابات دينية وتفاسير قرآنية وكتب عن السيرة النبوية ، فهذا الكاتب العظيم ـ ولا أذكيه على الله ـ لديه طاقة إيمانية تشهد بها سطوره حتى وإن كانت سياسية ، ولديه فطرة أدبية وفتوحات روحانية ما أحوجنا إليها الآن ، لكن الحادث أن الأحداث الجارية ومصائب الأمة استوليا على قلمه وفكره وبؤرة إهتماماته فأصبحنا نراه مجاهدًا فذا متواجدًا فى كل ثغور الإسلام واقفا فى الصفوف الأولى يكتب عن مصائب الداخل وجرائم الخارج ويبصر الناس بحقائق الأمور وأبعاد المؤامرة ويكشف خطط الجماعات الكافرة إلى أن وصلت خطورته على الأنظمة إلى حد منعه من الظهور فى كل القنوات الفضائية المحلية والعربية والعالمية ، ولعله الوحيد على مستوى العالم الذى يجابه الآن بموقف موحد لم يحدث من قبل لكاتب أو مفكر غيره ، وهذا شرف عظيم ووسام على صدره الكريم .
لقد جاء مقاله الأخير فى الوقت المناسب الذى امتلأت فيه الأرض والسماء برنين الحواه من قوم فرعون تمجيدًا فى مبارك ، وطمعًا فى ولاية جديدة يستمر فيها السلب والنهب وأكل حقوق الناس بالباطل ، فجاء الدكتور محمد عباس وقال لكل كاتب كاذب وفاجر : هذا هو مبارك الذى تدافع عنه وتطلب له ولاية حكم جديدة ، ثم ذكرهم بالآية القرآنية الكريمة : (( إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور )) .
إن مبارك لن ينفع أحد يوم العرض على الله ، ولو تدبرنا القرآن لتبرأ كل منا من الحاكم الفاجر وناصبه العداء .. يقول تعالى فى سورة سبأ : (( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ{31} قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ{32} وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{33} )) .
سنفترض جدلا أن لمبارك العذر فى الفشل الذى منيت به سياسة بلادنا الخارجية نتيجة ما يدعيه هو وغيره من المتغيرات الدولية وحجم الضغوط الأمريكية وما شابه ذلك من تبريرات وتفسيرات هى عند المؤمن لا تساوى جناح بعوضة ولا تقدم ولا تؤخر ولا تنال من عزائم الرجال قيد أنمله ... سنفترض جدلا كل ذلك وأن له عذر فى كل ما فعل خارجيًا ، فما هو عذره فيما أصاب البلاد داخليًا ؟!!
لقد بلغت الدولة المصرية غى عهده أعلى مراحل الترهل والتفكك والهوان وضياع الهوية وفقد الذات وغياب القدوة وتفشى الجرائم والأمراض وفرض سطوة الأقليات الرأسمالية والدينية وأكل حقوق الناس بالباطل وتبديد ثروات الدولة ... إلى آخر قائمة من الإتهامات التى يقف على رأس كل واحدة منها ألف شاهد ودليل !!
إذا تخيلنا العالم مدينة فاسدة سيطر عليها الفجره والفسقه ... ألا يوجد فى هذا العالم شارع يسمى الشارع العربى حفظه الله بشرعه وقرآنه وكان بإمكان حكام هذا الشارع المحافظة عليه وحمايته من سطوة المخربين والفاسدين ، ولو فشل الحكام فى ذلك ألا يوجد لمصر بيت فى هذا الشارع العربى ـ كان بإمكان ولى الأمر أن يقفل بابه ويصون من بداخله ... لقد فعل مبارك عكس ذلك وفتح الباب عن آخره وترك رعيته تفعل ما تشاء ... يدخل من يدخل ويخرج من يخرج ، حتى تغيرت ملامح البيت وأصبح الذى يحدث بداخله أكثر إجرامًا وشذوذا وفسقـًا وفجورًا مما يحدث بخارجه ... ما عذر مبارك فى ذلك ، وما عذره فى ترك منظومة القيم والأخلاق تنهار أما عينه بأصابع مَن عينهم علينا من وزراء ومستشارين ونواب عار ؟!!
لقد فشل مبارك فى كل شئ ، وقد أرجع الكثير من الخبراء هذا الفشل لقصور فى الإمكانيات والقدرات الشخصية وغياب سمات القيادة الفذة ، وكل ذلك يرجع لكونه لم يكن مؤهلاً فى يوم من الأيام لقيادة بلد كبير وعظيم فى حجم مصر وأن القيادة لديه كانت مفاجئة نتيجة أحداث المنصة وما أعقبها من تطورات ، وقد ابتعد كثيرًا عن مناطق التوتر والصدام لعدم قدرته على أخذ القرار السليم فى الوقت السليم .
لقد نجح مبارك فى كل ما هو فاشل ، وفشل فى كل ما هو ناجح ... نجح باقتدار فى إدارة مصالح أمريكا وإسرائيل فى المنطقة ونجح فى ذلك كما يجب أن يكون النجاح ، وفشل عن جدارة فى إدارة شئون بلاده الداخلية والخارجية كما يجب أن يكون الفشل .. لقد جعل المواطن المصرى يعيش فى غربته مسلوبًا من كل عناصر الحماية التى يتمتع بها أصحاب الجنسيات الأخرى ، فأهين المصرى فى كل دول العالم حتى العربية منها وسلبت حقوقه وامتصت دماؤه وتم مساومته على عرقه وأجره دون أن يجد سفارة تحميه أو زعيم يشد من عضده ... يحدث ذلك فى نفس الوقت الذى يهان فيه مواطن الداخل المحاصر بالطوارئ والبطالة والمرض وبالإعلام المنحط وبالتعليم الفاسد الذى لا ينمى فكر ولا يحقق نفع والذى زاد من نسبة الأمية وأضاف إليها سوء الخلق وإنعدام التربية ، فكانت أمية الأمس تحميها الأخلاق لكونها مقرونة بحسن الخلق وحسن التربية ... اليوم لا تعليم ولا تربية ولا أمية تحمل القيم أو الأخلاق !!
فى مصر الآن 70 ألف معتقل سياسى خرج منهم من خرج وبقى من بقى ومات منهم تحت التعذيب من مات ، وفى عهد مبارك أعتقل أكثر من 42 صحفيًا وضرب بعضهم وسحلوا فى الطريق العام وجردوا من ملابسهم كيوم ولدتهم أمهاتهم أمثال جمال بدوى وعبدالحليم قنديل والمجاهد العظيم مجدى حسين ، وأغلقت جرائد هامة وفاعلة كان على رأسها جريدة الشعب التى سببت صداع دائم فى رأس النظام ...
فى عهد مبارك أقيمت 26 محاكمة عسكرية ، وهذا عدد لم يحدث فى تاريخ مصر كله وكان عدد المتهمين فيها 1117 متهمًا من خيرة رجال الأمة ـ أعدم منهم 85 ظلمًا وعدوانـًا وسجن منهم 526 افتراءً وبهتانـًا !!
إننا فى مصر نواجه كارثة تسمى "كارثة حسنى مبارك" آثارها أشد ضررًا من آثار كارثة تسونامى ، وعلى الجميع أن يتكاتفوا لمواجهة هذا الطوفان المدمر الذى أتت به أمريكا وجعلته فى حقيبة السادات الخفية إلى أن أتى موعده وأدخل مصر عهدها الأسود الذى نعيشه ... وللحديث بقية .