الفرق بين الجواب و الرأي
الجواب هو ردة فعل ناتجة عن سماع سؤال أو قراءته. و عادة يكون السائل طالباً للإجابة من من هو أخبر عنه في مجال السؤال. فطالب المدرسة يسأل معلم الفيزياء عن كروية الكواكب و طالب آخر على سبيل المثال يسأل أستاذ الأحياء عن مصدر أول خلية و طالب آخر يسأل أستاذ الرياضيات عن مسلمات رياضيات الفضاء هل تظل فاعلة في الفناء القريب من الثقوب السوداء و هكذا. أمثلة متعددة من سؤال و سائل و مسئول و موضوع سؤال.
في العادة, يقوم السائل بطلب الإجابة, و يقوم المسؤل (الأخبر) بتقديم الإجابة, فإذا كانت الإجابة جيدة و مقنعة سكت السائل و استقرت نفسه و اطمأنت. أما إذا كانت الإجابة غير مقنعة فانه سيطلب جولات من الأخذ و الرد أو النقاش بينه و بين المسئول, فلربما تخللت هذه الجولات طلب لمزيد من الأدلة أو نقد مباشر لفلسفة الجواب و طريقته و هكذا.
في العادة, هذه هي الطريقة الصحية السليمة التي تتم بها فلسفة السؤال و الجواب أو هذا ما أحسبه.
أما الرأي فهو يختلف عن الجواب بأن الرأي هو جواب و لكنه ليس بالضرورة صحيح و ليس بالضرورة خاطئ. فالرأي يقال لعرض الانطباعات و الرؤى و عادة تطرح قضية الرأي في القضايا الخلافية التي لا يتفق عليها الناس و ربما لن يتفقوا. أما الجواب فهو عادة ما يكون في القضايا المحسومة بالأدلة و البراهين و الحجج, الكثير منها على أية حال. لنعقد مقارنة بسيطة:
سؤال و جواب:
- ما سبب سقوط الأجسام نحو سطح الأرض عند رميها أو إفلاتها من أماكن حرة فوق سطح الأرض؟
- الجاذبية الأرضية.
سؤال و رأي:
- ما رأيك في الأم تيريزا؟
- جواب أول: تيريزا امرأة شريفة ساهمت في القضاء على المرض في الهند.
- جواب ثاني: مجرد محبة للتجوال ذهبت إلى الهند للنزهة و كسب الشهرة.
- جواب ثالث: الأم تيريزا هي أحد الأسماء التي يجب أن يوضع لها تمثال في إحدى ساحات لندن!
- .....
- ,,,,
-
في مجال السؤال و الجواب لا أقول بأن الجواب دائماً ما يكون واحد و واحد فقط, و لكن الإجابة عادة ما تكون حاسمة و مقنعة و قابلة للتأكد و التجريب و بشرط مهم جداً ألا وهو أن يكون مقبولاً لمعظم الناس تقريباً من قبيل لا اعتراض على حقيقة أن جمع عددين فرديين يساوي عدد زوجي دائماً. أما في مجال السؤال و الرأي فالإجابات تكون متباينة و لذلك لا ينبغي أن تسمى إجابات و لكن يجب أن تسمى آراء بالأحرى.
إلى أين أريد أن أصل بكل هذا؟
لا يفرق كثير من الناس و على مستوى العالم و ليس الاقليم بين الجواب و الرأي, فيقع الخلط و يؤدي هذا إلى مشاكل كثيرة, و لا ابالغ ان قلت بأن هذا يؤدي عادة إلى حروب و مآسي, و سأعطيكم بعض الأمثلة ان سمحتم لي:
- فلسفة أن الجواب الصحيح هو في يد الرجل الأقوى:
هذا المثال الأول من الممكن أن نشير به إلى بلدان تتخذ شرعيتها اليوم من منطلق القوة العسكرية التي تمتلكها. و بدون أي عناء لا تظهر أية أسماء على ساحة الذاكرة أكثر من الولايات المتحدة و إسرائيل و هما حاملتي لواء الديانة اليهومسيحية في العالم. و هاتان الدولتان هما أفضل مثال على مفارقة الخلط بين الجواب الصحيح و الرأي. فالولايات المتحدة كانت تحمل رد على السؤال: " من أين استندتم على شرعية حربكم ضد العراق؟ " على هيئة " صدام يمتلك أسلحة دمار شامل " ... و هنا يبدو بأن الإدارة الأمريكية كانت تتعمد الكذب أو أنها بالفعل خلطت بين مفهومي الجواب و الرأي. لأن الجواب يجب أن يكون على هيئة: " صدام يمتلك أسلحة دمار شامل و هذه أدلتنا, العشرات منها, هيا تفضلوا واحد اثنان ثلاثة أربعة ... " ... و لكنها لم تفعل و عوضاً عن ذلك هاجمت العراق و تسببت في تخلف حضارة عريقة ...
- فلسفة أن الجواب الصحيح في يد رجل واحد فقط:
هذه الفلسفة من الممكن تلخيصها بأن الجواب الصحيح على سؤال معين واحد بنفس الصيغة و المعنى هي في يد رجل واحد فقط. و لكن هذا يحيلنا إلى حقيقة أن الإجابة الصحيحة أو الجواب هو دائماً يتسم بالاتفاق العالمي و بوضوح و دقة و حسم و بأدلة كثيرة واضحة يقبلها الجميع. أما الرأي فهو متباين من شخص إلى شخص أو من عالم إلى آخر فهذا يصبح رأي و ليس جواب. المجتمعات العربية مصابة بهذه اللوثة و لا أدري لماذا؟!
مثال على هذه القضية:
هناك قضية مهمة جداً ظهرت في العصور الاولى للاسلام و هي مستمرة الى يومنا هذا, و القضية يتستر عليها بحجة درء الفتنة او لم الشمل او انها مجرد قضية عقائدية غير مهمة. خلق القرآن نعم بالضبط اصاب الحدس. بسبب هذه القضية هناك حرب باردة بين اصحاب المذاهب و لو انهم انتبهوا الى حقيقة ان ما هم فيه من خلاف من الممكن ان يسمى خلاف آراء و ليس خلاف او تضارب في الحقائق او الاجابات الصحيحة لخفت المناوشات و الحماسة لعقد المناظرات او ما يجدر بنا ان نسميها ضرابات. ذلك بأن الرأي الأوحد دائماً ما يكون عند أكبر رأس في مستوى المذهب الواحد, و يتبعه أصحاب المذهب او المتسبين الى المذهب و كأنه يحمل الاجابة الصحيحة و ليس الرأي الصحيح, فهم لا يعاملون ما يصدر منه على انه رأي و لكنه الاجابة الصحيحة الوحيدة. و بهاذا تنشأ لدينا أجيال و أجيال متلاحقة لا تجيد أكثر من الترديد كالببغاء لكل ما طرح في الماضي.
على اي حال, لماذا ضرابات؟ لأن الآراء لا يجب أن نعاملها معاملة الاجابات. فالطريقة الصحية السليمة في معاملة الآراء هي أن يطرح صاحب الرأي رأيه و يسكت أو في رواية أخرى و يصمت. فهذا صاحب راي و ذاك صاحب رأي و آخر صاحب رأي لنفس القضية. فليطرح الجميع رأيه و ليستمع للآخرين اذن. أما معاملة الاجابات فمختلفة, فالاجابات نابعة من حقيقة انها حاسمة و وراءها ادلة كثيرة سأقول جداً تدعمها و تؤيدها.
- هناك أمثلة أخرى على الخلط الحاصل بين الاجابات و الآراء أكذر منها على سبيل المثال:
1- اللاهوتيات و الايمان و عدم الايمان.
2- هل انتشر الاسلام بالسيف ام بالورود.
3- هل اليهودية ديانة سماوية ام مجرد تعصب عرقي.
4- هل المرأة ملكية خاصة أم انسان حر في الايديولوجيا الدينية.
5- ....
ففي مثل هذا القضايا لا يمكن للمجيبين ان يسموا اجاباتهم اجابات و لكن عليهم ان يسموها آراء و انطباعات. فاذا سموا اجاباتهم اجابات بل و صحيحة منقطعة الصحة فان هذا سيؤدي الى التعنت و التعصب و الاقصاء و التسقيط.
و اختم مقالي هذا بالطريقة التالية:
قال حكيم: " كلما ازدادت الفكرة هشاشة, ازداد ارهاب أصحابها في الدفاع عنها "
و لو كانت على هيئة اجابات صحيحة مدعمة بالأدلة و البراهين ما رفع سيف و لا أسقطت قنبلة. و السلام خير ختام.
موضوع: الفرق بين الجواب والرأي 
الإثنين 22 أغسطس 2011 - 22:53
